الامتنان وسط المشاعر السلبية

الامتنان: كيف تكون ممتنًا وأنت تعيش مشاعر أخرى؟

الامتنان هو أحد أسمى المشاعر التي يمكن للإنسان أن يختبرها، وهو شعور يعكس تقدير الشخص لما يملكه من نعم، سواء كانت مادية أو غير مادية. إلا أن الامتنان لا يعني دائمًا أن الشخص يجب أن يكون في حالة نفسية مثالية أو خالية من المشاعر السلبية حتى يختبره. في الواقع، قد تكون مشاعر الامتنان موجودة حتى في أوقات الألم، الحزن، أو الاضطراب النفسي. كيف يمكن أن يحدث ذلك؟ كيف يستطيع الإنسان أن يشعر بالامتنان في الوقت الذي يعايش فيه مشاعر أخرى قد تبدو معاكسة تمامًا لهذا الشعور؟

الامتنان كجزء من التجربة الإنسانية

إن الإنسان، بحكم طبيعته، يتعرض لمجموعة من المشاعر المعقدة والمتنوعة طوال حياته. فالأوقات الصعبة قد تتسبب في شعور بالفقد، الحزن، الغضب، أو الإحباط، ومع ذلك، فإنه في تلك اللحظات من الألم أو الاستياء، يمكن أن يظل الامتنان شعورًا حقيقيًا، موجودًا في خلفية هذه المشاعر. في الواقع، يمكن أن يعزز الامتنان من قدرة الإنسان على التكيف مع مشاعره السلبية، حيث يساعده في إعادة توجيه انتباهه نحو الجوانب الإيجابية في حياته، حتى لو كانت تلك الجوانب بسيطة أو غير واضحة في اللحظة الراهنة.

من خلال ممارسة الامتنان، قد يعثر الشخص على لحظات من النور وسط الظلام. فحتى في وقت الألم أو المعاناة، يمكن للإنسان أن يكون ممتنًا للعلاقات التي لديه، للأشياء التي تعلمها من خلال تجاربه الصعبة، أو حتى للأشياء البسيطة التي قد تُفقد الأهمية في الأوقات السعيدة. على سبيل المثال، قد يشعر الإنسان بالامتنان لصحة جسمه، لوجود أشخاص يحبونه، أو للفرص التي أتيحت له رغم الصعوبات.

الازدواجية بين المشاعر: الامتنان والمشاعر السلبية

يشير البحث النفسي إلى أن مشاعر الامتنان لا تعني بالضرورة استبعاد المشاعر السلبية. على العكس، يمكن للإنسان أن يعيش تجربة مزدوجة من المشاعر، حيث يشعر بالغضب أو الحزن في نفس الوقت الذي يشعر فيه بالامتنان. هذه الازدواجية في المشاعر ليست غير طبيعية، بل هي جزء من التعقيد البشري. في الواقع، قد تساعد المشاعر السلبية في تسليط الضوء على النعم التي يملكها الشخص ويشعر بها في لحظات مختلفة. على سبيل المثال، قد يساعد الشعور بالحزن العميق على تقدير اللحظات الصغيرة من الفرح، بينما قد يجعل الألم المستمر الشخص أكثر وعيًا بما لديه من علاقات وموارد يجب أن يكون ممتنًا لها.

تتضمن الازدواجية العاطفية فكرة أن الناس يمكنهم التعايش مع مشاعر متناقضة، مما يساعدهم على النمو النفسي والعاطفي. لا تعني مشاعر الغضب أو الحزن أن الإنسان غير قادر على الشعور بالامتنان، بل بالعكس، قد يتيح ذلك للإنسان أن يرى الصورة بشكل أكثر شمولًا ويقدّر الأشياء التي يمتلكها بشكل أعمق.

كيف يمكن أن يكون الامتنان مفيدًا أثناء المعاناة؟

تُظهر الأبحاث أن الامتنان يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على الصحة النفسية والجسدية، حتى في أوقات المعاناة. في العديد من الدراسات النفسية، تم اكتشاف أن الأشخاص الذين يمارسون الامتنان بانتظام يعانون من مستويات أقل من التوتر والاكتئاب، حتى في ظل الظروف الصعبة. يمكن للامتنان أن يعمل كآلية توازن نفسية، تساعد على تخفيف حدة المشاعر السلبية مثل القلق والتوتر.

عندما يمارس الإنسان الامتنان، فإنه يعزز مستوى الوعي حول الأشياء التي يمكن أن تكون مصدرًا للدعم أو الراحة، حتى في الأوقات الصعبة. هذا يمكن أن يشمل الامتنان للعائلة والأصدقاء الذين يقدمون الدعم العاطفي، أو الامتنان للفرص التعليمية والمهنية التي قد تتيح له تخطي الصعوبات التي يواجهها.

من خلال التركيز على ما هو موجود في الحياة، بدلاً من التركيز على ما هو مفقود أو مؤلم، يمكن أن يصبح الامتنان بمثابة أداة فعالة في تخفيف الشعور بالضيق أو الارتباك. في بعض الأحيان، حتى في أصعب اللحظات، يمكن للإنسان أن يجد شيئًا صغيرًا ليكون ممتنًا له — قد يكون ذلك في شكل ابتسامة من شخص عزيز، أو فرصة جديدة للبدء من جديد.

كيف يمكن ممارسة الامتنان أثناء مرورنا بمشاعر سلبية؟

إحدى الطرق البسيطة لممارسة الامتنان هي أن يخصص الشخص وقتًا يوميًا للتفكير في ثلاثة أشياء هو ممتن لها. هذا يمكن أن يتم من خلال كتابة هذه الأشياء في دفتر ملاحظات أو ببساطة التفكير فيها بضع دقائق كل يوم. هذه الممارسة تساعد في إعادة توجيه الانتباه نحو الإيجابيات، وتتيح للإنسان أن يكون أكثر وعياً بما لديه بدلاً من التركيز على ما ينقصه.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يساعد الشخص في تقدير اللحظات الصغيرة من السعادة خلال اليوم، حتى لو كانت هناك مشاعر سلبية تهيمن عليه. قد يكون هذا عبارة عن فنجان قهوة دافئ في الصباح، أو لحظة هدوء بعد يوم طويل، أو حتى لحظة من التفكر العميق في الأشياء التي تجعل الحياة أفضل، رغم التحديات.

تساعد هذه الممارسات على تقوية قدرة الشخص على التكيف مع الظروف المعاكسة، حيث يجد في نفسه مصادر للسلام الداخلي والرضا رغم الضغوط. على الرغم من أن ذلك قد لا يزيل الألم أو التحديات، إلا أن الامتنان يمكن أن يساعد على تخفيف مشاعر الوحدة أو الإحباط، ويتيح للشخص أن يرى العالم من منظور أكثر إيجابية.

تأثير الامتنان على العلاقات الاجتماعية

الامتنان لا يتوقف فقط عند الفرد، بل يمكن أن يكون له تأثير كبير على العلاقات الاجتماعية. عندما يُعبر الشخص عن امتنان لهؤلاء من حوله، سواء كان ذلك عبر كلمات شكر أو أفعال تقدير، فإنه يعزز من الروابط الإنسانية. قد يساعد التعبير عن الامتنان في تخفيف التوتر بين الأفراد الذين يمرون بأوقات صعبة، ويعزز من بيئة من الدعم المتبادل والتفهم.

في العلاقات الشخصية، يمكن أن يكون الامتنان هو العامل الذي يعزز الاستقرار العاطفي، خاصة في الأوقات التي تكون فيها المشاعر مختلطة أو معقدة. العلاقات المبنية على الامتنان تكون أكثر قدرة على تحمل الصعاب والمشاكل اليومية، لأن الشكر والتقدير يساعد على بناء علاقة قائمة على الثقة والاحترام المتبادل.

الختام

الامتنان لا يعني تجاهل المشاعر السلبية أو الألم، بل هو القدرة على إيجاد النور في الظلام، والأمل في الأوقات الصعبة. إن مشاعر الامتنان يمكن أن تكون موجودة جنبًا إلى جنب مع المشاعر السلبية، مما يعكس تعقيد التجربة الإنسانية. من خلال ممارسة الامتنان بشكل واعٍ، يمكن أن يصبح الشخص أكثر قدرة على التكيف مع مشاعره المتناقضة، وأكثر قدرة على الاستفادة من تجاربه اليومية، بغض النظر عن الظروف.